المجيء الثاني، قيامة الموتى، الخلاص، النعيم والجحيم

يؤمن المسيحيون أنه في يوم غير معلوم،[273] سيأتي يسوع من السماء مع جمهرة من الملائكة والقديسين لكي يدين الخليقة برمتها،[274] هذا المجيء سيكون منظورًا من قبل كل البشرية[275] وستسبقه مجموعة من الكوارث والاضطهادات[276] وسيترافق مع ظهور أنبياء ومسحاء دجالين[277] فضلاً عن ظهور ضد المسيح.[278]

يروي إنجيل متى 25/ 31-46 ملخصًا عما سيحدث، إذ سيجلس المسيح على عرشه ويفصل بين المحتشدين إلى قسمين، أما الذين عن يمينه فهم من قام بأعمال صالحة مصيرهم الجنة التي يطلق عليها أيضًا اسم الفرح،[279] الملكوت أو ملكوت السماوات،[280] الحياة الأبدية[281] والراحة الأبدية؛[282] أما الذين عن يساره فسيتجهون إلى الجحيم، العقاب الأبدي،[281] حيث البكاء وصرير الأسنان،[283] والتي يطلق عليها أيضًا اسم الموت الثاني،[284] أو النار الأبدية،[285] حيث دودهم لا يموت ونارهم لا تطفأ،[286] ويرى الكثير من اللاهوتيين والمفسرين في العصور الحديثة أن فكرة النار مجازية، وليست واقعًا مستدلين بإطلاق صفة الظلمة الخارجية على جهنم في بعض الأحيان،[283] لكن قسمًا آخر يؤمن فعليًا بوجود هذه النار في الجحيم.

وحفل الدينونة لن يحضره الأحياء فقط، بل الأموات أيضًا والذين عادوا إلى الحياة مع المجيء الثاني للمسيح،[287] وجسد الموتى القائم سيكون خالدًا غير قابل للموت أو الفساد،[288] وسيرافق هذه القيامة تحوّل أجساد الأحياء أيضًا إلى هذه الجسد الغير قابل للفساد.[289]

كما يومض البرق في الشرق،
فيضيء في الغرب،
هكذا يكون رجوع ابن الإنسان.
—إنجيل متى 27/24
أما الخلاص فالإيمان بالمسيح شرط أساسي لنيله،[290] وعدمه يؤدي إلى الدينونة، ذلك لأن هؤلاء الغير مؤمنين لم يعترفوا بدم المسيح الكفاري عن الخطيئة،[291] ولكن هذا الشرط لا يشمل من لم يسمع بالمسيح أو وصلته البشارة بطريقة خاطئة أو تأذى من المسيحية،[292] بمعنى أنه في هذه الحالة سيتم الحساب وفق الأعمال فقط تمامًا كالبشرية قبل مجيء يسوع ولهذا يدعوه المسيحيين بالمخلص؛[293] وبما أن الجميع قد أخطؤوا،[294] والمؤمنون بالمسيح لا يعاقبون،[295] تتضح نظرية مجانية الخلاص التي تؤمن بها أغلب الطوائف البروتستانتية، أي أن الخلاص يكون بناءً على دعوة من الإله وليس بناءً على قرار من الإنسان؛[296] بيد أن هذه الفكرة ترفضها بشدة سائر الطوائف استنادًا إلى ما ورد في رسالة يعقوب 19/2 عن عدم كفاية الإيمان، كذلك تبرز أهمية الأعمال في مواضع أخرى عديدة،[297] كالإشارة إلى عدم الخلاص في حال تضارب الإيمان مع الأعمال،[298] وكون المسيح لدى مجيئة سيدين كل إنسان بحسب أعماله حسب حرفية المذكور،[299] بناءً عليه تعلم أغلب الطوائف المسيحية بضرورة ترافق الإيمان مع الأعمال؛ ويرى عدد من اللاهوتيين أن خلاص غير المؤمنين بأعمالهم وارد،[300] بيد أن ذلك لا يشمل الملاحدة أو من يضطهد المسيحيين.[301]


رئيس الملائكة ميخائيل يسحق الشيطان كما ورد في رؤيا يوحنا 12/ 7-11.تؤمن الكنيسة الكاثوليكية أيضًا بالمطهر وهو مرتبة وسطى بين الجحيم والجنة، يتميز المطهر بكونه مرحلة مؤقتة للتكفير عن الخطايا التي لم يكفر عنها أحدهم خلال حياته الأرضية، ورغم عدم وجود ذكر له في العهد الجديد فقد بنى الكاثوليك نظريتهم استنادًا إلى عدة شواهد أمثال: إنجيل متى 26/5، إنجيل متى 32/12 حيث تذكر إشارة إلى الغفران في ”الزمان الآتي“، إنجيل متى 36/12، متى 34/18 وغيرها.[302]

بعض الطوائف البروتستانتية أيضًا تفسر ما ورد في رؤيا يوحنا 20/ 1-6 عن الحكم الألفي ثم التمرد الأخير تفسيرًا حرفيًا لما سيحدث قبيل موعد يوم القيامة، بيد أن سائر الطوائف، وجدت في تلك الآيات إشارات رمزية إلى تجدد الكنيسة بعد الاضطهادات الرومانية، أي الزمن بين قيامة المسيح والقيامة العامة، وقد شاع بين المسيحيين في القرون الأولى التفسير الحرفي لتلك الآيات، واعتقدوا فعلاً بأن المسيح سيأتي فعلاً ليملك مع القديسين ألف سنة قبل التمرد الأخير، بيد أن الكنيسة لاحقًا نبذت هذا الرأي.[303]